مقتطفات من كتاب القرآن تدبر وعمل {11} سورة يس و سورة
الصافات و سورة ص
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص692): سورة يس
و سورة الصافات و سورة ص
«يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *»
هذا قسم من الله تعالى بالقرآن الحكيم، الذي وصفه الحكمة، وهي وضع كل شيء موضعه،
وضع الأمر والنهي في الموضع اللائق بهما، ووضع الجزاء بالخير والشر في محلهما اللائق
بهما، فأحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة. ومن حكمة هذا القرآن، أنه يجمع بين ذكر الحكم
وحكمته، فينبه العقول على المناسبات والأوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها.
بل القرآن العظيم أقوى الأدلة المتصلة المستمرة على رسالة الرسول، فأدلة القرآن
كلها أدلة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم. {تَنزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} فهو الذي أنزل به كتابه، وأنزله طريقا
لعباده، موصلا لهم إليه، فحماه بعزته عن التغيير والتبديل، ورحم به عباده رحمة اتصلت
بهم، حتى أوصلتهم إلى دار رحمته، ولهذا ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين: العزيز.
الرحيم.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (15/ 11/12):
«إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12)»
فَآثَارُ الْمَرْءِ الَّتِي تَبْقَى وَتُذْكَرُ بَعْدَ الْإِنْسَانِ مِنْ خَيْرٍ
أَوْ شَرٍّ يُجَازَى عَلَيْهَا: مِنْ أَثَرٍ حَسَنٍ، كَعِلْمٍ عَلَّمُوهُ، أَوْ كِتَابٍ
صَنَّفُوهُ، أَوْ حَبِيسٍ احْتَبَسُوهُ، أَوْ بِنَاءٍ بَنَوْهُ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ
رِبَاطٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. أَوْ سَيِّئٍ كَوَظِيفَةٍ وَظَّفَهَا
بَعْضُ الظُّلَّامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَسَكَّةٍ أَحْدَثَهَا فِيهَا تَخْسِيرُهُمْ،
أَوْ شي أَحْدَثَهُ فِيهِ صَدٌّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ مِنْ أَلْحَانٍ وَمَلَاهٍ، وَكَذَلِكَ
كُلُّ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ، أَوْ سيئة يستن بها.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص693):
«{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}»
أصحاب القرية، وما جرى منهم من التكذيب لرسل الله، وما جرى عليهم من عقوبته
ونكاله.
وتعيين تلك القرية، لو كان فيه فائدة، لعينها الله، فالتعرض لذلك وما أشبهه
من باب التكلف والتكلم بلا علم، ولهذا إذا تكلم أحد في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخلط
والاختلاف الذي لا يستقر له قرار، ما تعرف به أن طريق العلم الصحيح، الوقوف مع الحقائق،
وترك التعرض لما لا فائدة فيه، وبذلك تزكو النفس، ويزيد العلم، من حيث يظن الجاهل أن
زيادته بذكر الأقوال التي لا دليل عليها، ولا حجة عليها ولا يحصل منها من الفائدة إلا
تشويش الذهن واعتياد الأمور المشكوك فيها. والشاهد أن هذه القرية جعلها الله مثلا للمخاطبين.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (15/ 17/20):
«قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
(26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ»
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ، وَدَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ كَظْمِ
الْغَيْظِ، وَالْحِلْمِ عَنْ أَهْلِ الْجَهْلِ، وَالتَّرَؤُّفِ عَلَى مَنْ أَدْخَلَ
نَفْسَهُ فِي غِمَارِ الْأَشْرَارِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ، وَالتَّشَمُّرِ فِي تَخْلِيصِهِ،
وَالتَّلَطُّفِ فِي افْتِدَائِهِ، وَالِاشْتِغَالِ بِذَلِكَ عَنِ الشَّمَاتَةِ بِهِ
وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى كَيْفَ تَمَنَّى الْخَيْرَ لِقَتَلَتِهِ، وَالْبَاغِينَ
لَهُ الْغَوَائِلَ وَهُمْ كَفَرَةٌ عَبَدَةُ أَصْنَامٍ
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص695):
«{وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ] مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ
السَّمَاءِ} أي: ما احتجنا أن نتكلف في عقوبتهم، فننزل جندا من السماء لإتلافهم، {وَمَا
كُنَّا مُنزلِينَ} لعدم الحاجة إلى ذلك، وعظمة اقتدار الله تعالى، وشدة ضعف بني آدم،
وأنهم أدنى شيء يصيبهم من عذاب الله يكفيهم {إِنْ كَانَتْ} أي: كانت عقوبتهم {إِلا
صَيْحَةً وَاحِدَةً} أي: صوتا واحدا، تكلم به بعض ملائكة الله، {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}
قد تقطعت قلوبهم في أجوافهم، وانزعجوا لتلك الصيحة، فأصبحوا خامدين، لا صوت ولا حركة،
ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار، ومقابلة أشرف الخلق بذلك الكلام القبيح، وتجبرهم
عليهم.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص697):
«{مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} وهي نفخة الصور {تَأْخُذُهُمْ}
أي: تصيبهم {وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} أي: وهم لا هون عنها، لم تخطر على قلوبهم في حال
خصومتهم، وتشاجرهم بينهم، الذي لا يوجد في الغالب إلا وقت الغفلة. وإذا أخذتهم وقت
غفلتهم، فإنهم لا ينظرون ولا يمهلون {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي: لا قليلة
ولا كثيرة {وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}»
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 367368):
«قَالُوا يَاوَيلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ
الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)»
يعنون قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها، فلما
عاينوا ما كذبوه في محشرهم {قَالُوا يَاوَيلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}،
وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم، لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد. وقال أبي
بن كعب، ومجاهد، والحسن، وقتادة: ينامون نومة قبل البعث.
قال قتادة: وذلك بين النفختين. فلذلك يقولون: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}،
فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون -قاله غير واحد من السلف-: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ
وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}. وقال الحسن: إنما يجيبهم بذلك الملائكة.
ولا منافاة إذ الجمع ممكن، والله أعلم.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص697):
«{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} أي: هذا الذي
وعدكم الله به، ووعدتكم به الرسل، فظهر صدقهم رَأْيَ عين. ولا تحسب أن ذكر الرحمن في
هذا الموضع، لمجرد الخبر عن وعده، وإنما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم، سيرون
من رحمته ما لا يخطر على الظنون، ولا حسب به الحاسبون، كقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ
الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} {وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} ونحو ذلك، مما يذكر اسمه
الرحمن، في هذا.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (15/ 49):
«الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ
أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65)»
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَالَ" وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ"
فَجَعَلَ مَا كَانَ مِنَ الْيَدِ كَلَامًا، وَمَا كَانَ مِنَ الرِّجْلِ شَهَادَةً؟
قِيلَ: إِنَّ الْيَدَ مُبَاشِرَةٌ لِعَمَلِهِ وَالرِّجْلِ حَاضِرَةٌ، وَقَوْلُ الْحَاضِرِ
عَلَى غَيْرِهِ شَهَادَةٌ، وَقَوْلُ الْفَاعِلِ عَلَى نَفْسِهِ إِقْرَارٌ بِمَا قَالَ
أَوْ فَعَلَ، فَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَمَّا صَدَرَ مِنَ الْأَيْدِي بِالْقَوْلِ وَعَمَّا
صَدَرَ مِنَ الْأَرْجُلِ بِالشَّهَادَةِ.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (11/ 375/376):
«{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ
(68)»
يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره رُدّ إلى الضعف بعد القوة، والعجز
بعد النشاط، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ
مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيبَةً يَخْلُقُ
مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}. وقال: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى
أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيئًا}. والمراد من هذا
والله أعلم الإخبارُ عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا
قال: {أَفَلَا يَعْقِلُونَ}، أي: يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ثم صيرورتهم إلى
الشَّبيبَة، ثم إلى الشيخوخة، ليعلموا أنهم خُلقوا لدار أخرى، لا زوال لها ولا انتقال
منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (15/ 61): سورة الصافات
«"وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً"»
الْبَاءِ. والمعنى برب الصافات و" فَالزَّاجِراتِ" عَطْفٌ عَلَيْهِ."
إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ" جَوَابُ الْقَسَمِ. وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ فَتْحَ
إِنَّ فِي الْقَسَمِ. وَالْمُرَادُ بِ" الصَّافَّاتِ" وَمَا بَعْدَهَا إِلَى
قَوْلِهِ:" فَالتَّالِياتِ ذِكْراً" الْمَلَائِكَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.
تُصَفُّ فِي السَّمَاءِ كَصُفُوفِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا لِلصَّلَاةِ. وَقِيلَ:
تَصُفُّ أَجْنِحَتَهَا فِي الْهَوَاءِ وَاقِفَةً فِيهِ حَتَّى يَأْمُرَهَا اللَّهُ
بِمَا يُرِيدُ. وَهَذَا كَمَا تَقُومُ الْعَبِيدُ بَيْنَ أَيْدِي مُلُوكِهِمْ صُفُوفًا.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص700):
«{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}
أي: هو الخالق لهذه المخلوقات، والرازق لها، المدبر لها، فكما أنه لا شريك له في ربوبيته
إياها، فكذلك لا شريك له في ألوهيته، وكثيرا ما يقرر تعالى توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية،
لأنه دال عليه. وقد أقر به أيضا المشركون في العبادة، فيلزمهم بما أقروا به على ما
أنكروه.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص703):
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} أي: وعند أهل دار النعيم،
في محلاتهم القريبة، حور حسان، كاملات الأوصاف، قاصرات الطرف، إما أنها قصرت طرفها
على زوجها، لعفتها وعدم مجاوزته لغيره، ولجمال زوجها وكماله، بحيث لا تطلب في الجنة
سواه، ولا ترغب إلا به، وإما لأنها قصرت طرف زوجها عليها، وذلك يدل على كمالها وجمالها
الفائق، الذي أوجب لزوجها، أن يقصر طرفه عليها، وقصر الطرف أيضا، يدل على قصر النفس
والمحبة عليها، وكلا المعنيين محتمل، وكلاهما صحيح، و [كل] هذا يدل على جمال الرجال
والنساء في الجنة، ومحبة بعضهم بعضا، محبة لا يطمح إلى غيره، وشدة عفتهم كلهم، وأنه
لا حسد فيها ولا تباغض، ولا تشاحن، وذلك لانتفاء أسبابه.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (15/ 83):
«" هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فَرَآهُ فِي
سَواءِ الْجَحِيمِ"»
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ عَرَّفَهُ
إِيَّاهُ لَمَا عَرَفَهُ، لَقَدْ تَغَيَّرَ حَبْرُهُ وَسَبْرُهُ.
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (15/ 97):
«وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)»
هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي الْهِجْرَةِ وَالْعُزْلَةِ. وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَ
ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَذَلِكَ حِينَ خَلَّصَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ"
قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي" أَيْ مُهَاجِرٌ مِنْ بَلَدِ قَوْمِي وَمَوْلِدِي
إِلَى حَيْثُ أَتَمَكَّنُ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّي فَإِنَّهُ" سَيَهْدِينِ"
فِيمَا نَوَيْتُ إِلَى الصَّوَابِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ مِنَ
الْخَلْقِ مَعَ لُوطٍ وَسَارَةَ، إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ.
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص706):
«{إِنَّ هَذَا} الذي امتحنا به إبراهيم عليه السلام {لَهُوَ الْبَلاءُ
الْمُبِينُ} أي: الواضح، الذي تبين به صفاء إبراهيم، وكمال محبته لربه وخلته، فإن إسماعيل
عليه السلام لما وهبه الله لإبراهيم، أحبه حبا شديدا، وهو خليل الرحمن، والخلة أعلى
أنواع المحبة، وهو منصب لا يقبل المشاركة ويقتضي أن تكون جميع أجزاء القلب متعلقة بالمحبوب،
فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه إسماعيل، أراد تعالى أن يصفي وُدَّه ويختبر خلته،
فأمره أن يذبح من زاحم حبه حب ربه، فلما قدّم حب الله، وآثره على هواه، وعزم على ذبحه،
وزال ما في القلب من المزاحم، بقي الذبح لا فائدة فيه، فلهذا قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي: صار بدله ذبح من الغنم عظيم،
ذبحه إبراهيم، فكان عظيما من جهة أنه كان فداء لإسماعيل، ومن جهة أنه من جملة العبادات
الجليلة، ومن جهة أنه كان قربانا وسنة إلى يوم القيامة.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (15/ 113/114):
«وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ" لَمَّا ذَكَرَ الْبَرَكَةَ
فِي الذُّرِّيَّةِ وَاوَإِنْ كَانُوا مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ، وَالْعَرَبُ وَإِنْ كَانُوا
مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ
وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِلْكَثْرَةَ قَالَ: منهم محسن ومنهم مسي، وَإِنَّ الْمُسِيءَ
لَا تَنْفَعُهُ بُنُوَّةِ النُّبُوَّةِ، فَالْيَهُودُ والنصارى»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص707):
«{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى آخر القصة.
وهذا ثناء منه تعالى، على عبده ورسوله، يونس بن متى، كما أثنى على إخوانه المرسلين،
بالنبوة والرسالة، والدعوة إلى الله، وذكر تعالى عنه، أنه عاقبه عقوبة دنيوية، أنجاه
منها بسبب إيمانه وأعماله الصالحة، فقال: {إِذْ أَبَقَ} أي: من ربه مغاضبا له، ظانا
أنه لا يقدر عليه، ويحبسه في بطن الحوت، ولم يذكر الله ما غاضب عليه، ولا ذنبه الذي
ارتكبه، لعدم فائدتنا بذكره، وإنما فائدتنا بما ذُكِّرنا عنه أنه أذنب، وعاقبه الله
مع كونه من الرسل الكرام، وأنه نجاه بعد ذلك، وأزال عنه الملام، وقيض له ما هو سبب
صلاحه.»
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (15/ 126):
«فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)» أَخْبَرَ اللَّهُ
عز وجل أَنَّ يُونُسَ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، وَأَنَّ تَسْبِيحَهُ كَانَ سَبَبَ
نَجَاتِهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ إِذَا
عَثَرَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" مِنَ الْمُسَبِّحِينَ" مِنَ الْمُصَلِّينَ
الْمُطِيعِينَ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ وَهْبٌ: مِنَ الْعَابِدِينَ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: مَا كَانَ لَهُ صَلَاةٌ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ عَمَلًا
صَالِحًا فِي حَالِ الرَّخَاءِ فَذَكَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي حَالِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ
الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَيَرْفَعُ صَاحِبَهُ، وَإِذَا عَثَرَ وَجَدَ مُتَّكَأً.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (12/ 71): سورة
ص
«{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} أي: إن في هذا القرآن لذكرًا
لمن يتذكر، وعبرة لمن يعتبر. وإنما لم ينتفع به الكافرون لأنهم {فِي عِزَّةٍ} أي: استكبار
عنه وحمية، {وَشِقَاقٍ} أي: مخالفة له ومعاندة ومفارقة.»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص712):
«{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ
إِنَّهُ أَوَّابٌ}»
من الفوائد والحكم في قصة داود وسليمان عليهما السلام
أن الله تعالى يمدح ويحب القوة في طاعته، قوة القلب والبدن، فإنه يحصل منها
من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها، ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة، وأن العبد ينبغي له
تعاطي أسبابها، وعدم الركون إلى الكسل والبطالة المخلة بالقوى المضعفة للنفس.
ومنها: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ
الْخِطَابِ} .أن من أكبر نعم الله على عبده، أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم والفصل
بين الناس، كما امتن الله به على عبده داود عليه السلام
وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا
وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ
*
ومنها:أن الاستغفار والعبادة، خصوصا الصلاة، من مكفرات الذنوب، فإن الله، رتب
مغفرة ذنب داود على استغفاره وسجوده.
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (12/ 101):
«{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}، وذلك أن
أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته، ووَجَد عليها في أمر فعْلته. قيل: باعت ضفيرتها
بخبز فأطعمته إياه، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة. وقيل: لغير
ذلك من الأسباب. فلما شفاه الله وعافاه، ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة
والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثًا -وهو: الشّمراخ-
فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة، وقد بَرّت يمينه، وخرج من حنثه ووفى بنذره، وهذا
من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه»
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص716):
«قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ »{قُلْ} لهم، مخوفا ومحذرا، ومنهضا لهم ومنذرا:
{هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} أي: ما أنبأتكم به من البعث والنشور والجزاء على الأعمال، خبر
عظيم ينبغي الاهتمام الشديد بشأنه، ولا ينبغي إغفاله.
ولكن {أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} كأنه ليس أمامكم حساب ولا عقاب ولا ثواب
«تفسير ابن كثير - ط أولاد الشيخ» (12/ 108):
«{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}»
قال سفيان الثوري: عن الأعمش، ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: أتينا عبد
اللَّه بن مسعود قال: يا أيها الناس، من علم شيئًا فليقل به، ومن لا يعلم فليقل: اللَّه
أعلم؛ فإن من العلم أن يقولَ الرجلُ لما لا يعلم: اللَّه أعلم، فإن اللَّه قال لنبيكم
صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُتَكَلِّفِينَ}
«تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن» (ص717):
«{إِنْ هُوَ} أي: هذا الوحي والقرآن {إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} يتذكرون
به كل ما ينفعهم، من مصالح دينهم ودنياهم، فيكون شرفا ورفعة للعاملين به، وإقامة حجة
على المعاندين.
فهذه السورة العظيمة، مشتملة على الذكر الحكيم، والنبأ العظيم، وإقامة الحجج والبراهين، على من كذب بالقرآن وعارضه، وكذب من جاء به، والإخبار عن عباد الله المخلصين، وجزاء المتقين والطاغين. فلهذا أقسم في أولها بأنه ذو الذكر، ووصفه في آخرها بأنه ذكر للعالمين. وأكثر التذكير بها فيما بين ذلك، كقوله: {واذكر عبدنا} - {واذكر عبادنا} - {رحمة من عندنا وذكرى} {هذا ذكر} اللهم علمنا منه ما جهلنا، وذكرنا منه ما نسينا، نسيان غفلة ونسيان ترك.»